أحيانا كثيرة يضطر المرء أن يلملم جراحه ويهرب من ماضيه راغبا في نسيانه خاصة حينما يكون الماضي عبئا ثقيلا وصورا قبيحة وذكريات مشوهة فينطلق هاربا طالبا ملاذا جديدا مختارا رحمة البعد عن كل ما يذكره بذلك الماضي القاسي.
لكن...أحيانا يظل طعم الماضي يحرق بمرارته الحاضر والمستقبل حين تضيق نظرة الإنسان فلا يعود يبصر غير الدروب الضيقة والمسافات المظلمة المضنية والنهايات الدامية المخيفة التي تملأ زواياها ظلال سوداء كئيبة ناسيا أن الحياة يجب ألا تتوقف عند محطة واحدة لأنها فعلا لا تقف عند محطة وتنتهي بل هي قطار مندفع ينقلنا من محطة إلى أخرى ومن موقف إلى آخر ومن سعادة إلى شقاء ومن دمع إلى ابتسام
فكل ليل مهما طال لابد أن يأتي من بعده صباح مشرق فالحياة ليست دروبا موحشة مرهقة فقط بل هي أيضا أفق واسع وبحر تتجدد أمواجه.
فلماذا بعد أن يقرر الإنسان أن يهجر كهوف ماضيه الموحشة يختار أن يبني بيته من كوابيس الماضي وأشباح ذكرياته...؟
أعلم أنه من الصعب على المرء نسيان نار مستعرة تتأجج بداخله ولكنه حتما يستطيع أن يحاول إخمادها كي لا تحرقه وتحرق آماله في غد جديد مختلف
وهذا لا يعني أن ينسلخ من ماضيه ويمحوه من سجل تاريخه وحياته لأن ذلك لن يحدث حقيقة
فالماضي بحلوه ومره جزء هام من حياتنا وفي بناء حاضرنا ومستقبلنا مهما كان قاسيا كئيبا ومؤلما فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له أيضا
إذا كان مهما أن يتعلم المرء كيف يستفيد من ماضيه في بناء غد جديد يتجنب فيه أخطاء ذلك الماضي دون الإغراق في تذكر عذاباته وتقليب مواجعه مادام قد قرر منذ البداية أن يطوي صفحته وإلا لبقى في كهوفه المظلمة يجتر ألآمه ويقتات من عذاباته ويشرب من حميم أحزانه ناسيا أو متناسيا أن الماضي لا يعود أبدا وأن عليه أن يفكر بما هو آت فهذه هي الحياة ليل ونهار فصول أربعة أمس وحاضر وغد.
فلماذا لا نعيش متغيراتها بكل ما تحمله لنا نستفيد من تجدد نهارها
فذلك حتما سيكون أفضل من تقليب صفحات قديمه والنبش في قبور مغلقة والعيش في بين الركام والإطلال...واستنشاق الرماد
وتبقى هناك كلمة
مابين ندمنا على ماض ذهب ولن يعود وقلقنا على غد مجهول ل نعرف بم قد يجيء.....تضيع اللحظة الحاضرة.
فمتى سنفيق.....؟